"صحيفة أمريكية": وائل الدحدوح أصبح رمزاً لكارثة غزة ومعاناة الصحفيين

بعد مقتل 79 صحفياً وعاملاً في مجال الإعلام

"صحيفة أمريكية": وائل الدحدوح أصبح رمزاً لكارثة غزة ومعاناة الصحفيين
وائل الدحدوح أمام جثمان نجله

وائل الدحدوح، هو أحد الوجوه الأكثر شهرة في غزة، وقد أصبح رمزا لكارثة المنطقة المحاصرة، أثناء تغطيته خلال المراحل الأولى من الصراع، علم المراسل المخضرم لقناة الجزيرة أن الغارات الجوية التي كان يقوم بتغطيتها طوال اليوم قتلت زوجته واثنين من أطفاله وحفيده الرضيع، وعاد إلى العمل في اليوم التالي، منهكًا لكنه ثابت.

ووفقا لتحليل نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، بصفته رئيس مكتب غزة لشبكة الأخبار التي تتخذ من قطر مقراً لها، قام "الدحدوح" بتغطية أسابيع الحرب التي تلت ذلك، واتسعت الحملة الإسرائيلية لتصل إلى جنوب غزة، وفي ديسمبر، أصيب الدحدوح وقُتل مصوره في غارة إسرائيلية بطائرة بدون طيار أثناء قيامهما بتغطية الأحداث من بلدة خان يونس الجنوبية، لكنه عاد لتقديم التقارير في اليوم التالي. 

وخلال نهاية هذا الأسبوع، وقعت المأساة مرة أخرى عندما استهدفت غارة إسرائيلية أخرى بطائرة بدون طيار سيارة تقل مجموعة من الصحفيين في مهمة بالقرب من رفح على طول حدود غزة مع مصر، وأدى الهجوم إلى مقتل صحفيين فلسطينيين هما ابنه حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا.

قال وائل الحزين في مقطع فيديو ظهر لاحقًا إن حمزة كان "أنفاسي وروحي"، وهو شعور رده حمزة بالمثل في ما انتهى به الأمر ليكون واحدًا من آخر منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت معاناة أسرتهم المتفاقمة بمثابة صورة قوية لما تعانيه آلاف الأسر الفلسطينية في غزة وسط القصف اليومي والبحث المستمر عن الغذاء والضروريات الأساسية للبقاء على قيد الحياة.

وفي مقطع فيديو منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر وائل في حفل زفاف حمزة عام 2022، مبتسمًا بذراعين مفتوحتين على مصراعيهما بينما قام الضيوف بإلقائه، والد العريس، عالياً، ثم أمسكوا به مرة أخرى.

وفي يوم الأحد، بدا حزينا، واقفاً فوق جثة حمزة في المشرحة، ممسكاً بيده ويتمتم بهدوء، وبعد ذلك، لف ذراعيه حول "وفاء"، أرملة ابنه.

وفقاً لإحصاء لجنة حماية الصحفيين، قُتل ما لا يقل عن 79 صحفياً وعاملاً في مجال الإعلام منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر، فيما قدرت السلطات الفلسطينية المحلية هذا العدد بأكثر من 100، وفي كلتا الحالتين، يعد هذا أكبر عدد من القتلى من الصحفيين في منطقة النزاع منذ سنوات، وهو ما يتجاوز عدد القتلى من الصحافة العاملة في أوكرانيا على مدى العامين الماضيين في غضون أشهر فقط. 

ووفقاً لأحد التقديرات، فقد قُتل بالفعل واحد من كل 10 صحفيين في قطاع غزة.

وزعمت السلطات الإسرائيلية أن الغارة التي قتلت نجل "الدحدوح" كانت تستهدف "إرهابيا" داخل السيارة كان يشغل طائرة بدون طيار ما يعرض القوات الإسرائيلية" للخطر"، ويستخدم الصحفيون في غزة، منذ أسابيع، لقطات من طائرات بدون طيار لتوثيق حجم الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي.

ورداً على قصة سابقة عن الصحفيين القتلى في نوفمبر، أرسل جيش الدفاع الإسرائيلي إلى صحيفة واشنطن بوست بياناً ألقى فيه باللوم على حركة حماس المسلحة في تعريض المدنيين، بمن في ذلك الصحفيون، للخطر من خلال عملياتها.

وجاء في البيان أن “الجيش الإسرائيلي لا يستهدف الصحفيين عمدا، ويتخذ إجراءات للتخفيف من الأذى غير المقصود للصحفيين وجميع المدنيين"، مضيفا أن الجيش "يستهدف جميع أنشطة حماس العسكرية في جميع أنحاء غزة"، الأمر الذي ينطوي على "ضربات عالية الكثافة، والتي قد يتسبب في أضرار للمباني والمناطق المحيطة".

ولكن مثل هذه التوضيحات غير كافية للمؤسسات الإعلامية والجماعات الحقوقية، التي اتهمت إسرائيل بـ"انتهاك مبادئ حرية الصحافة" واستهداف الصحفيين عمدا.

وقال شريف منصور من لجنة حماية الصحفيين في بيان له: "يجب التحقيق بشكل مستقل في مقتل الصحفيين حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا، ويجب محاسبة من يقفون وراء مقتلهما.. يجب أن يتوقف القتل المستمر للصحفيين وأفراد أسرهم بنيران الجيش الإسرائيلي؛ فالصحفيون مدنيون، وليسوا أهدافاً".

وقبل الحرب، كان منتقدو إسرائيل يتحسرون منذ فترة طويلة على الحصانة النسبية التي يتمتع بها جيشها في الأراضي الفلسطينية، وحتى يومنا هذا، لم يعاني أي جندي أو مسؤول إسرائيلي من أي عواقب لمقتل صحفية الجزيرة شيرين أبوعاقلة في بلدة جنين بالضفة الغربية، وكانت أبوعاقلة أيضًا مواطنًة أمريكيًة، لكن إدارة "بايدن"، رغم أنها مدافع قوي عن حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم، لم تتكلم إلا عن الحاجة إلى المساءلة.

وفعلت الشيء نفسه خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن للصحفيين أثناء توقفه في قطر، في إشارة إلى محنة الدحدوح: "أنا شخصياً والد، لا أستطيع أن أتخيل الرعب الذي تعرض له، ليس مرة واحدة، ولكن الآن مرتين.. إنها مأساة لا يمكن تصورها، وهذا هو الحال أيضًا بالنسبة لعدد كبير جدًا من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الأبرياء".

ويعمل الصحفيون المتبقون في غزة في بيئة هي الأكثر تحديًا وخطورة في العالم بالنسبة لوسائل الإعلام، وعندما لا يحاولون تتبع التطورات على الخطوط الأمامية غير الواضحة والمدمرة، فإنهم يقومون بتوثيق صراعاتهم اليومية من أجل تدبر أمورهم ببساطة، بدءًا من جمع المياه، إلى البحث عن الإنترنت، إلى الحداد على أقاربهم وأصدقائهم المفقودين.

وفي نوفمبر، وصفت يمنى السيد، وهي مراسلة أخرى للجزيرة في غزة، الصدمة الناجمة عن زيارة المستشفيات المليئة بالقتلى والجرحى، قائلة: "أنت ترى الجثث أمامك باستمرار.. إنك ترى الإصابات باستمرار.. إنه يطاردني في الليل.. إنه يطاردني عندما أريد أن آكل.. يطاردني عندما أريد الجلوس والراحة.. لا يمكنك الحصول على أي سلام".

ويوم الأحد، بعد مقتل حمزة، نشرت صورة له على وسائل التواصل الاجتماعي مع تعليق، "الكثير من الألم، الكثير من وجع القلب… لا يمكننا تحمل المزيد".

لكن "الدحدوح"، مثل العديد من زملائه، مستمر في عمله، وفي مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الاثنين، قال إنه سيواصل تقديم التقارير في ذكرى عائلته التي سقطت، وقال: "طالما أننا على قيد الحياة وطالما أننا قادرون على أداء هذا الواجب، فسوف نقوم بذلك دون تردد".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية